انت لست اخی

المقدمة:

واحد، اثنان، ثلاثة، والآن أربعة. إنّه الشهید الرابع من هذه العائلة، والشهادة فی هذه العائلة لیست حدثًا جدیدًا، وبین رجال هذه العشیرة، رجل عجوز کأنّ فنّ تربیة الشهداء وحی السماء إلى أنامله. کنّا قد ذهبنا لنمرّ على ذکریات رابع شهید لهذه العائلة، الشهید المدافع عن الحرم، محمد تاج بخش، ولکنّ رؤیة الجدّ والتأمّل فی کلامه وسلوکه، وقبل الاستماع إلى الذکریات، جعلتنا کمن قرأ سیرة الشهید من أوّلها إلى آخرها. ولا یمکن أن نسمّی هذا الرجل متخلّفًا عن قافلة الشهداء، إنّه مربی الشهداء، ومن ذا الذی یرى تربیة الشهداء أقلّ من الشهادة؟!

وفی السنوات الثمانیة للحرب المفروضة على إیران، قد طرق باب هذه العائلة خبر الشهادة لثلاث مرّات وخبر الإصابة بالجراح لمرّتین، فخالان وعمّ التحقوا بالشهداء، والأب والجدّ تقلدا وسام الجرحى.

انتهت السنوات الثمانیة للحرب المفروضة وکادت الشهادة تتحوّل إلى ذکرى، ذکرى ینبغی البحث عنها فی طیّات الکتب، وعلى الرغم من أنّ الهجوم العسکریّ قد انتهى، ولکنّ الغزو الثقافیّ اشتدّ من کلّ جانب، ومحمّد مجاهد عطوف فی خندق المسجد وحامی حمى ثقافة الناس ودینهم.

کان محمّد فی خندق المسجد مشغولاً بمواجهة أعداء الفکر حین انبعث فی الآذان نفیر حرب بعیدة شیئًا ما عن الحدود، وکان طمع العدوّ هذه المرّة بحریمٍ کان قلب محمّد یخفق بعشقه، کان الصوت قادمًا من دمشق، حریم سیّدة  کان قد اتّصل بها وجود محمّد نسیجًا بنسیج.

هو شیعیّ ومن أهل خوزستان، والشیعة یعرفون بغیرتهم، ویجب أن تسمّى خوزستان مهد الغیرة. وکان اجتماع هاتین الغیرتین فی وجود محمّد قد جعل منه رجلاً لا یطیق البقاء، کان یرى حرم الله فی معرض النظرات المغرضة. کان علیه أن یرحل، وکان قلبه لا یهدأ سوى بالوقوف فی وجه أعداء حرم الله، رحل محمّد بصمت، وعندما کان یشیّع بفخر فوق أکتاف الناس، فهم الکثیرون حینها أنّ ذلک المجاهد فی خندق المسجد، هو الشهید نفسه الذی یمضی نحو الجنان.

کان محمد عاشقًا للإمام الرضا علیه السلام، ومن یدری؟! ربّما کان قد أخذ میثاق الشهادة فی المرّة الأخیرة التی زار فیها جنة الله مشهد الإمام الرضا علیه السلام.

فهنیئًا له الشهادة! ولیت اسمه وعقیدته یبقیان دائمًا مشعلاً یضیء لنا الطریق.